2
علامات الحب (الحب والكرامة)

علامات الحب


• (الحب والكرامة)

المحب لا أنف له ولا أنفة
هاتان علامتان متلازمتان لذا سنعرضها مرة واحدة. وسامحونا على الإطالة ولكن لا يمكن الاختصار أكثر من ذلك،، فخذوا راحتكم بالقراءة ثم أعطوني رأيكم.

والأنف هي رمز الكرامة والكبرياء، والأنفة شعور بالتقزز والتحرج، بمعنى أنه لا كرامة بين المحبين الصادقين،، وأقول الصادقين الذين بلغوا تمام الحب، وليس هؤلاء الذين يزعمون المحبة ثم مع أول خلاف أو إساءة كلٌ يقول كرامتي وكبريائي .. الخ.

ومن ثم تضيع حياة مضت بالحب – كما زعموا – مع أول محك أو موقف، وهذه هي نهاية كل حب تكون الفلسفة والكبرياء بعض عناصر وجوده ؛ لأنه حينما يكون هناك حب حقيقي , متبادل , فإن الكبرياء يحرص على الحب , ويقدم له التنازلات حتى لا يضيع , وحتى يبقيان معاً ... ويبادل الحبُ الكبرياءَ , فيغذيه , حتى يبقى الكبرياء عالياً , متألقاً على قمة مشاعر الحب ... وليحافظ على المحب من هزيمة نفسه ...

وقديما قالوا:

اخضع وذل لمن تحب فليس في....حكم الهوى أنف يشال ويعقد

وقد ذكر ابن القيم كلاما في ذلك عندما تكلم عن ذل العبودية في مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين فذكر مراتب ومنها :
المرتبة الثالثة ( وهذا هو الشاهد من الكلام )... ذل المحبة فإن المحب ذليل بالذات وعلى قدر محبته له يكون ذله
فالمحبة أسست على الذلة للمحبوب كما قيل

اخضع وذل لمن تحب فليس في % حكم الهوى أنف يشال ويعقد

وقال آخر
مساكين أهل الحب حتى قبورهم % عليها تراب الذل بين المقابر الخ كلامه رحمه الله.

وقال في موضع آخر معلقا على معنى البيت:

اخضع وذل لمن تحب فليس في حكم الهوى أنف يشال ويعقد

يقول ابن القيم: والمراد أن تهب إرادتك وعزمك وأفعالك ونفسك ومالك ووقتك لمن تحبه، وتحبسها في مرضاته ومحابه، فلا تأخذ لنفسك منها إلا ما أعطاك، فتأخذه منه له .
سبحان الله.. حتى الذي آخذه من المحبوب ،، أخذته له لا لنفسي.

ويقول قائلهم:

سنّة العشاقِ واحدةٌ .. فإذا أحببتَ فاستكِنِ!

فقد جرت أخلاق العشاق ( أنا لا أحب لفظ العشق وإنما ذكرته لأنه نص منقول ) في القديم والحديث - عدا العاشق المستكبر - على التذلل للمحبوب والتقرُّب الوديع إليه بلا حساسية ولا استكبار، ولم يروا في ذلك خدشاً للكرامة ولا نقصاً في الرجولة، لأن ذلك من آداب العشق، ومن حقوق الحبيب، ومن طبيعة العاشقين في كل زمان ومكان.

حتى الأعراب - وهم أهل أنفة وكرامة - فإنهم يستثنون من تلك الأنفة الحب وأهله.. فيقولون:

"للحبيب أن يتدلّل.. وعلى المحب أن يتذلل"!

ويقول مَن جرب منهم:

إن الهوى هو الهوانُ نُقصَ اسمُهُ فإذا هَوَيتَ فقد لَقيتَ هوانا
وإذا هَوَيتَ فقد تعبَّدَكَ الهوى فاخضع لإلفك كائناً من كانا

والمحبون - في العادة - راضون بذلهم للحبيب:
قالوا عهدناكَ ذا عِزّ فقلتُ لهم لا يعجب الناس من ذل المحبينا
لا تنكروا ذلة العشاق إنَّهُمُ مستعبدون برقِّ الحب راضُونا

ويقول محمد بن داود الأصبهاني الذي ألف كتاباً كبيراَ عن هذا الأمر : (التذلل للحبيب من شيم الأديب).

أما صاحب كتاب (طوق الحمامة) فيقول: "حضرتُ مقام المعتذرِين بين أيدي السلاطين، ومواقف المتهمين بعظيم الذنوب مع المتمردين الطاغين، فما رأيت أذل من موقف محبّ هيمان بين يدي محبوبٍ غضبان!"
وهشام بن الحكيم - وكان من أكثر الناس أنفةً - يقول:
(في الحب يصبح المحب عبداً مملوكاً ويخضع لمحبوبه).

حتى المتنبي الذي لا يكاد يرى أحداً من الناس غطرسةً واستكباراً، يقول:
تذلّل واخضع على القرب والنوى فما عاشقٌ من لا يذلُّ ويخضع!

وبهذا يتحقق أنه لا كرامة بين المحبين، نعم من الممكن أن نقول تنازل من طرف إلى طرف آخر؛ لأن المحبين لا يعرفون مصطلحات الكرامة والمهانة وما شابه.

وسنضرب على ذلك مثالا رائعا من حياة الصحابة ولكن بعد أن نعطي مثالا رقراقا من حياتنا على الأنفة واضح بين جدا، وكل منا يراه، ولكن قد لا يُلتفت إليه،،

ألا وهو ذلك الموقف الذي يكون فيه الولد الصغير على يد أمه فيصدر منه ما تتقزز منه نفس من تراه، إلا هذه الأم، مع وقوع ضرر فعله على نفسها وملابسها، فانظر لردة فعلها، تأخذه وتغسله وهي تقبله، وتحنو عليه، بل قد تشمه من تلك المواضع،،،، سبحان الله،،،،

في حين أنه إذا كان نفس الفعل من غيره من الصغار كولد أختها مثلا، فإنها تتقزز منه، وتسرع للتخلص من آثار فعلته، وإذا قامت على تطهيره كان ذلك بحرص منها،،، سبحان الله ،،
فما الذي تغير؟؟ الفعل من الطفلين واحد، وكلاهما مشترك في نفس القذر، ومشترك في عدم قصده،، وإنما الذي تغير هو رد فعلها هي !!

إنه الحب الطاغي لولدها وحبيبها على غيره،، فكان كما قال الشاعر:
ويقبح من سواك الفعل عندي ... وتفعله فيحسن منك ذاكا
وقال آخر:
فلو تفلت في البحر والبحر مالحٌ ... لأصبح البحر من ريقها عذب

حقا .. إنه الحب يعمي ويصم

بل قال أحدهم: ( شعر نبطي )
وايش يسوى المسك وابو المسك من ريحة عرقها

ومن منا لا يتقزز من ريحة العرق؟ حتى يصل الحال لتفضيله على المسك وابوه؟!!
إنه الحب الذي يعمي ويصم،، يعمي ،، عن رؤية عيوب المحبوب،، ويصم عن سماع العيوب التي فيه من كل من حوله من الناصحين.

ولنذهب الآن لبيت القصيد،،، وهو المثل الذي وعدنا به من حياة الصحابة على هذه العلامة،،
روى البخاري وأحمد - من طريق عبد الرزاق - من حديث صلح الحديبية أنه لما جاء عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ ليفاوض رسول الله ثم رجع لقومه فقال: أَيْ قَوْمِ وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهِ إِنْ يَتَنَخَّمُ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ.

انظر ،،، وَمَا تَنَخَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ.كلنا يعرف النخامة،، هل تقدرون؟؟

أرأيتم؟ كيف بلغ صدقهم في محبته صلى الله عليه وسلم؟ أليسوا عربا؟ أليسوا أهل كرامة وإباء وأنفة وتأفف؟ ولكن هو الحب الصااادق.
الحب الذي أنساهم الدنيا بما فيها،، بما تقبله ومالا تقبله النفوس، واقبلوا بقلوبهم إلى الذي تنبض به عروقهم نحو أجل محبوب من الناس صلى الله عليه وسلم. ليعلنوا للزمان كله أنهم هم المؤمنون حقا، المحبون صدقا، أفضل الأصحاب، لأفضل نبي، لأفضل أمة، فرضي الله عنهم وأرضاهم. بل وصل بهم الحال أن تمنوا الموت بعده كما تمنوه في حياته
وهم يدافعون عنه قال حسان رضي الله عنه:
فَلَيْتَنَا يَوْمَ وَارَوْهُ بِمُلْحِدِهِ ... وَغَيّبُوهُ وَأَلْقَوْا فَوْقَهُ الْمَدَرَا
لَمْ يَتْرُك اللّهُ مِنّا بَعْدَهُ أَحَدًا ... وَلَمْ يَعِشْ بَعْدَهُ أُنْثَى وَلَا ذَكَرَا
أرأيتم ؟ كيف انطبقت هذه العلامة عليهم وبقوة؟!
جزى الله أصحاب النبي محمدٍ ... جميعا كما كانوا له خير صاحبِ

فهذه علامة،،، فإذا أردت أن تعرف صدقك في محبته صلى الله عليه وسلم فاعرض نفسك عليها، فإن تجاوبت معها، وإلا فأنت من المدعين.

ولن أتركك تبحث عن موقف تثبت به هذه العلامة، بل سأعطيك ما يناسب مقامنا هذا، حديثا له صلى الله عليه وسلم لتنظر ما هي درجة حبك؟
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً وَفِي الْآخَرِ دَاءً ". صحيح البخاري .

ولما سمع هذا الحديث أقوام ممن ادعوا المحبة قال بعضهم: وع، والبعض الآخر قال: ما هذا القرف؟ بل ذهب بعضهم لتكذيب الحديث رغم أنه كما رأينا في صحيح البخاري، أصح كتاب بعد كتاب الله كما قال أهل العلم. فاوزن مقدار حبك. ووالله أنا شخصيا كلما تكرر موقف هذه الذبابة مسكتها وغمستها – تقول بيني وبينها ثأر أقول لها أخرجي اللي شربتيه - .

والأمر هين ولكنه فقط على المحبين،، ومالي لا أطيعه وهو أعلم بمصلحتي من؟ وأنقذنا الله به من النار في الآخرة ، وعصم به لنا أرواحنا وأبداننا وأعراضنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا في العاجلة ، وهدانا له.

نعادي الذي عادى من الناس كلهم بحق ولو كان الحبيب المصافيا
صلى الله عليه وسلم

2 التعليقات:

غير معرف يقول...

راائع شيخى
سلمت يداك (y)

admin يقول...

أكرمكم الله، شاكر لكم الاهتمام

إرسال تعليق

 
تعريب وتطوير مدونة الفوتوشوب للعرب
مدونة كمال اليماني © 2010 | عودة الى الاعلى
Designed by Chica Blogger