0
( سلـــطان الهــــمّ )



- في غمرة السعادة القاتلة، تأتيك الرياح بما لا تشتهيه سفنك المتجهة نحو شاطيء تستقر فيه، وليست هنا المشكلة، فهذه هي الحياة:

طبعت على كدر وأنت تريدها ... صفواً من الأقذاء والأكدار
ومكـلف الأيام غير طباعــــها ... متطلباً في الماء جذوة نار

فهي دنيا الكدر، ومن أراد الحياة بلا كدر فقد أرادها على غير طبيعتها، ورآها على غير صورتها، فهو مستظل بالخيال صاحب أوابد وأمثال، فر من اليقظة إلى المنام، ومن الحقائق إلى الأحلام.

- إنما المشكلة أن تكون رياح الهم ذات سلطان عليك، تحبطك، تقتلك، تثنيك عن طريقك، خاصة إذا كان هذا الهم خصما عنيدا حقودا، يتنكر لك ليل نهار، ولا يدري المسكين أن صبرك قاتله، وأنه بظلمه وعتوه وتنكره ما يزيدك إلا صبرا وثقة وجلدا:

تنكر لي خصمي ولم يدر أنني ... أعز وأحداث الزمان تهونُ
فبات يريني الخصم كيف عتوِّه ... وبِتُّ أريه الصبر كيف يكونُ

- إنني دائما أتمثل في مثل هذه المواطن بآيةٍ وبيت من جميل الشعر عندي، يقول جل من قائل: (.. فأما الزبد فيذهب جفاءً، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)، وهذه حقيقة لا جدال فيها.

ولله در محمد تهامي حين يقول:

ومهما نالت الأحداث مني ... سأبقى في مفاوزها أغني
أرد الهول عن دربي بكف ... لتفرغ كفي الأخرى وتبني

أعجبني أنه لم يتوقف ليرد الهول بكلتا يديه، وإنما واحدة ترد والأخرى تبني. ياله من ثبات.

- ومن جميل ما قرأت أيضا مما يعين على علو الهمة ضد سلطان الهم:

مالت الشمس للغروب وقالت ... في غرورٍ: أيها الكون من ينيرك بعدي
فأجابها المصباح وهو ضئيل ... في اعتزاز: لسوف أبذل جهدي

نعم، مع المحاولة شموخ الاعتزاز بجميل الصنع، من الصبر على نوائب الأيام، وإن أكبر عامل على الصمود هو محو ما يمضي من الذاكرة قدر المستطاع إن كان تذكره مثبطا محبطا، فقطع الأوراق الكئيبة من دفتر الحياة أفضل من الاحتفاظ بها والبكاء عليها، وهكذا الإخوان والأصحاب، قطع من لا يستقيم أمره، أفضل من الركون إلى ذكراه المؤلمة.

- يا سلطان الهمّ .. لست بقاتلي ولا بقادر على إذلالي، فابحث لك عن غيري، فأنا جذع لا ينحني.

يا ملجأ الفقرا، والأغنياء ومَنْ ... ألطافه تكشف الأسواء والضررا
أنت الكريم، وغفار الذنوب ومَنْ ... يرجو سواك فقد أودى وقد خسرا

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
تعريب وتطوير مدونة الفوتوشوب للعرب
مدونة كمال اليماني © 2010 | عودة الى الاعلى
Designed by Chica Blogger